فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (109):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن الإسلام ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه {فَقُلْ} لهم {ءاذَنتُكُمْ} أي اعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم، والإيذان إفعال من الاذن وأصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم وصيغ منه الأفعال، وكثيرًا ما يتضمن معنى التحذير والإنذار وهو يتعدى لمفعولين الثاني منهما مقدر كما أشير إليه. وقوله تعالى: {على سَوَاء} في موضع الحال من المفعول الأول أي كائنين على سواء في الاعلام بذلك لم أخص أحدًا منكم دون أحد. وجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل والمفعول معا أي مستويًا أنا وأنتم في المعاداة أو في العلم بما أعلمتكم به من وحدانية الله تعالى لقيام الأدلة عليها. وقيل ما أعلمهم صلى الله عليه وسلم به يجوز أن يكون ذلك وأن يكون وقوع الحرب في البين واستوائهم في العلم بذلك جاء من أعلامهم به وهم يعلمون أنه عليه الصلاة والسلام الصادق الأمين وإن كانوا يجحدون بعض ما يخبر به عنادًا فتدبر.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أي إيذانًا على سواء. وأن يكون في موضع الخبر لأن مقدرة أي أعلمتكم أني على سواء أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير وهذا خلاف المتبادر جدًا.
وفي الكشاف أن قوله تعالى: {ءاذَنتُكُمْ} إلخ استعارة تمثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه وآذانهم جميعًا بذلك وهو من الحسن كان {وَإِنْ أَدْرِى} أي ما أدرى {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من غلبة المسلمين عليكم وظهور الدين أو الحشر مع كونه آتيًا لا محالة، والجملة في موضع نصب بأدري. ولم يجئ التركيب أقريب ما توعدون أم بعيد لرعاية الفواصل.

.تفسير الآية رقم (110):

{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول} أي ما تجهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات التي من جملتها ما نطق جيء الموعود {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} من الأحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيرًا وقطميرًا.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}
{وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} أي ما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لكم لينظر كيف تعملون. وجملة {لَعَلَّهُ} إلخ في موضع المفعول على قياس ما تقدم.
والكوفيون يجرون لعل مجرى هل في كونها معلقة. قال أبو حيان: ولا أعلم أحدًا ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهرًا فيها. وعن ابن عباس في رواية أنه قرأ {أَدْرِى} بفتح الياء في الموضعين تشبيهًا لها بياء الإضافة لفظًا وإن كانت لام الفعل ولا تفتح إلا بعامل. وأنكر أن مجاهد فتح هذه الياء.
{ومتاع إلى حِينٍ} أي وتمتيع لكم وتأخير إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم. وقيل المراد بالحين يوم بدر. وقيل يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (112):

{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
{قَالَ رَبّ احكم بالحق} حكاية لدعائه صلى الله عليه وسلم. وقرأ الأكثر {قُلْ} على صيغة الأمر. والحكم القضاء. والحق العدل أي رب أقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضى لتعجيل العذاب والتشديد عليهم فهو دعاء بالتعجيل والتشديد وإلا فكل قضائه تعالى عدل وحق. وقد استجيب ذلك حيث عذبوا ببدر أي تعذيب.
وقرأ أبو جعفر {رَبّ} بالضم على أنه منادى مفرد كما قال صاحب اللوامح، وتعقبه بأن حذف حرف النداء من اسم الجنس شاذ بابه الشعر. وقال أبو حيان: إنه ليس نادى مفرد بل هو منادى مضاف إلى الياء حذف المضاف إليه وبنى على الضم كقبل وبعد وذلك لغة حكاها سيبويه في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه ولا شذوذ فيه. وقرأ ابن عباس. وعكرمة. والجحدري. وابن محيصن {رَبّى} بياء ساكنة {أَحْكَمُ} على صيغة التفضيل أي أنفذ أو أعدل حكمًا أو أعظم حكمة. فربى أحكم مبتدأ وخبر.
وقرأت فرقة {أَحْكَمُ} فعلًا ماضيًا {مُّقْتَدِرِ الرحمن} مبتدأ وخبر أي كثير الرحمة على عباده. وقوله سبحانه: {المستعان} أي المطلوب منه العون خبر آخر للمبتدأ. وجوز كونه صفة للرحمن بناء على اجرائه مجرى العلم. وإضافة الرب فيما سبق إلى ضميره صلى الله عليه وسلم خاصة لما أن الدعاء من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام كما أن إضافته هاهنا إلى ضمير الجمع المنتظم للمؤمنين أيضًا لما أن الاستعانة من الوظائف العامة لهم.
{على مَا تَصِفُونَ} من الحال فانهم كانوا يقولون: إن الشركة تكون لهم وإن راية الإسلام تخفق ثم تسكن وإن المتوعد به لو كان حقًا لنزل بهم إلى غير ذلك مما لا خير فيه فاستجاب الله عز وجل دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فخيب آمالهم وغير أحوالهم ونصر أولياءه عليهم فأصابهم يوم بدر ما أصابهم: والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ أبي رضي الله تعالى عنه {يَصِفُونَ} بيان الغيبة ورويت عن ابن عامر. وعاصم. هذا وفي جعل خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يتعلق به. خاتمة لسورة الأنبياء طيب كما قال الطيبي يتضوع منه مسك الختام.
ومن باب الإشارة في الآيات: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} [الأنبياء: 51] قيل ذلك الرشد إيثار الحق جل شأنه على ما سواع سبحانه، وسئل الجنيد متى أتاه ذلك؟ فقال: حين لا متى {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 66] فيه إشارة إلى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة في عقله.
وقال حمدون القصار: استعانة الخلق بالخلق كاستعانة المسجون بالمسجون.
{قُلْنَا يانار كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69] قال ابن عطاء: كان ذلك لسلامة قلب إبراهيم عليه السلام وخلوه من الالتفات إلى الأسباب وصحة توكله على الله تعالى، ولذا قال عليه السلام حين قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة؟ أما إليك فلا {ففهمناها سليمان} فيه إشارة إلى أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا تعلق له بالصغر والكبر فكم من صغير أفضل من كبير بكثير {وَكُلًا ءاتَيْنَا حُكْمًا} قيل معرفة بأحكم الربيوبية {وَعِلْمًا} معرفة بأحكام العبودية {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ *الجبال يُسَبّحْنَ} [الأنبياء: 79] قيل كان عليه السلام يخلوفي الكهوف لذكره تعالى وتسبيحه فيشاركه في ذلك الجبال ويسبحن معه، وذكر بعضهم أن الجبال لكونها خالية عن صنع الخلق حالية بأنوار قدرة الحق يحب العاشقون الخلوة فيها، ولذا نحنث صلى الله عليه وسلم في غار حاراء.
واختار كثير من الصالحين الانقطاع للعبادة فيها {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} [الأنبياء: 83] ذكر أنه عليه السلام قال ذلك حين قصدت دودة قلبه ودودة لسانه فخاف أن يشغل موضع فكره وموضع ذكره، وقال جعفر: كان ذلك منه عليه السلام استدعاء للجواب من الحق سبحانه ليسكن إليه ولم يكن شكوى وكيف يشكو المحب حبيبه وكل ما فعل المحبوب محبوب وقد حفظ عليه السلام آداب الخطاب {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مغاضبا فَظَنَّ أَن لَّن قُدِرَ} قيل ان ذلك رشحة من دن خمر الدلال، وذكروا أن مقام الدل دون مقام العبودية المحضة لعدم فناء الإرادة فيه ولذا نادى عليه السلام {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87] أي حيث اختلج في سرى أن أريد غيره ما أردت {وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} [الأنبياء: 89] قيل إنه عليه السلام أراد ولدا يصلح ون يكون محلا لا فشاء الأسرار الإلهية إليه فإن العارف متى كان فردًا غير واجد من يفشي إليه السر ضاق ذرعه {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} قيل أي رغبة فينا ورهبة عما سوانا أو رغبة في لقائنا ورهبة من الاحتجاب عنا {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} [الأنبياء: 90].
قال أبو يزيد: الخشوع خمود القلب عن الدعاوي، وقيل الفناء تحت أذيال العظمة ورداء الكبرياء {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق وهو صلى الله عليه وسلم رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة ويشترك الجميع في أنه عليه الصلاة والسلام سبب لوجودهم بل قالوا: إن العالم كله مخلوق من نوره صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بذذلك الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره في قوله وقد تقدم غيره مرة:
طه النبي تكونت من نوره ** كل الخليقة ثم لو ترك القطا

وأشار بقوله لو ترك القطا إلى أن الجميع من نوره عليه الصلاة والسلام وجه الانقسام إلى المؤمن والكافر بعد تكونه فتأمل، وهذا ونسأل الله تعالى أن يجعل حظنا من رحمته الحظ الوافر وأن ييسر لنا أمور الدنيا والآخرة بلطفه المتواتر.

.سورة الحج:

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنها نزلت بالمدينة وهو قول الضحاك.
وقيل: كلها مكية.
وأخرج أبو جعفر النحاس عن مجاهد عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات: {هذان خصمان} إلى تمام الآيات الثلاث فإنها نزلت بالمدينة.
وفي رواية عن ابن عباس إلا أربع آيات: {هذان خصمان} إلى قوله تعالى: {عذاب الحريق}.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة أنها مدنية غير أربع آيات: {وما أرسلنا من قبلك من رسول} إلى: {عذاب يوم عقيم} فإنها مكيات.
والأصح القول بأنها مختلطة فيها مدني ومكي وإن اختلف في التعيين وهو قول الجمهور.
وعدة آياتها ثمان وتسعون في الكوفي وسبع وتسعون في المكي وخمس وتسعون في البصري وأربع وتسعون في الشامي.
ووجه مناسبتها للسورة التي قبلها ظاهر.
وجاء في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين قال: نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما والروايات في أن فيها سجدتين متعددة مذكورة في الدر المنثور نعم أخرج ابن أبي شيبة من طريق العريان المجاشعي عن ابن عباس قال: في الحج سجدة واحدة وهي الأولى كما جاء في رواية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)}
{تُفْلِحُونَ يَأَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ} يعم حكمه المكلفين عند النزول ومن سينتظم في سلكهم بعد من الموجودين القاصرين عن رتبة التكليف والحادثين بعد ذلك إلى يوم القيامة لكن لا بطريق الحقيقة عندنا بل بطريق التغليب أو تعميم الحكم بدليل خارجي فإن خطاب المشافهة لا يتناول من لم يكلف بعد وهو خاص بالمكلفين الموجودين عند النزول خلافًا للحنابلة وطائفة من السلفيين والفقهاء حيث ذهبوا إلى تناوله الجمع حقيقة، ولا خلاف في دخول الاناث كما قال الآمدي في نحو الناس مما يدل على الجمع ولم يظهر فيه علامة تذكير ولا تأنيث وإنما الخلاف في دخولهن في نحو ضمير {اتقوا} والمسلمين فذهبت الشافعية. والأشاعرة. والجمع الكثير من الحنفية. والمعتزلة إلى نفيه، وذهبت الجنابلة. وابن داود. وشذوذ من الناس إلى إثباته، والدخول هنا عندنا بطريق التغليب.
وزعم بعضهم أن الخطاب خاص بأهل مكة وليس بذاك، والمأمور به مطلق التقوى الذي هو التجنب عن كل ما يؤثم من فعل وترك ويندرج فيه الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر حسا ورد به الشرع اندراجًا أوليًا لكن على وجه يعم الإيجاد والدوام، والمناسب لتخصيص الخطاب بأهل مكة أن يراد بالتقوى المرتبة الأولى منها وهي التوقي عن الشرك، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لتأييد الأمر وتأكيد إيجاب الامتثال به ترهيبًا وترغيبًا أي احذروا عقوبة مالك أمركم ومربيكم، وقوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ} تعليل لموجب الأمر بذكر أمر هائل فإن ملاحظة عظم ذلك وهو له وفظاعة ما هو من مباديه ومقدماته من الأحوال والأهوال التي لا ملجأ منها سوى التدرع بلباس التقوى مما يوجب مزيد الاعتناء لابسته وملازمته لا محالة. والزلزلة التحريك الشديد والازعاج العنيف بطريق التكرير بحيث يزيل الأشياء من مقارها ويخرجها عن مراكزها، وإضافتها إلى الساعة إما من إضافة المصدر إلى فاعله لكن على سبيل المجاز في النسبة كما قيل في قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} [سبأ: 33] لأن المحرك حقيقة هو الله تعالى والمفعول الأرض أو الناس أو من إضافته إلى المفعول لكن على أجرائه مجرى المفعول به اتساعًا كما في قوله:
يا سارق الليلة أهل الدار

وجوز أن تكون الإضافة على معنى في وقد أثبتها بعضهم وقال بها في الآية السابقة، وهي عند بعض المذكورة في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] وتكون على ما قيل عند النفخة الثانية وقيام الساعة بل روي عن ابن عباس أن زلزلة الساعة قيامها.
وأخرج أحمد. وسعيد بن منصور. وعبد بن حميد. والنسائي والترمذي. والحاكم وصححاه عن عمران ابن حصين قال: لما نزلت{سكارى وَمَا هُم بسكارى ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2] كان صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم. قال: ذلك يوم يقول الله تعالى لآدم عليه السلام ابعث بعث النار قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدًا إلى الجنة فانشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا وأبشروا فانها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم في الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال: ولا أدري قال الثلثين أم لا، وحديث البعث مذكور في الصحيحين وغيرهما لكن بلفظ آخر وفيه كالمذكور ما يؤيد كون هذه الزلزلة في يوم القيامة وهو المروى عن الحسن.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن علقمة. والشعبي وعبيد بن عمير أنها تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وإضافتها إلى الساعة على هذا لكونها من أماراتها، وقد وردت آثار كثيرة في حدوث زلزلة عظيمة قبل قيام الساعة هي من أشراطها إلا أن في كون تلك الزلزلة هي المراد هنا نظرًا إذ لا يناسب ذلك كون الجملة تعليلًا لموجب أمر جميع الناس بالتقوى، ثم أنها على هذا القول على معناها الحقيقي وهو حركة الأرض العنيفة، وتحدث هذه الحركة بتحريك ملك بناء على ما روي أن في الأرض عروقًا تنتهي إلى جبل قاف وهي بيد ملك هناك فإذا أراد الله عز وجل أمرًا أمره أن يحرك عرقًا فإذا حركه زلزلت الأرض.
وعند الفلاسفة أن البحار إذا احتبس في الأرض وغلظ بحيث لا ينفذ في مجاريها لشدة استحصافها وتكاثفها اجتمع طالبًا للخروج ولم يمكنه فزلزلت الأرض، ورا اشتدت الزلزلة فخسفت الأرض فيخرج نار لشدة الحركة الموجبة لاشتعال البخار والدخان لاسيما إذا امتزجا امتزاجًا مقربًا إلى الدهنية، ورا قويت المادة على شق الأرض فتحدث أصوات هائلة، ورا حدثت الزلزلة من تساقط عوالي وهدات في باطن الأرض فيتموج بها الهواء المحتقن فتتزلزل به الأرض، وقليلًا ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لعض الأسباب.
وما يستأنس به للقول بأن سببها احتباس البخار الغليظ وطلبه للخروج وعدم تيسره له كثرة الزلازل في الأرض الصلبة وشدتها بالنسبة إلى الأرض الرخوة، ولا يخفي أنه إذا صح حديث في بيان سبب الزلة لا ينبغي العدول عنه وإلا فلا بأس بالقول برأي الفلاسفة في ذلك وهو لا ينافي القول بالفاعل المختار كما ظن بعضهم، وهي على القول بأنها يوم القيامة قال بعضهم: على حقيقتها أيضًا، وقال آخرون: هي مجاز عن الأهوال والشدائد التي تكون في ذلك اليوم، وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصره عن إدراك كنهها والعبارة ضيقة لا تحيط بها إلا على وجه الإبهام. وفي البحر أن إطلاق الشيء عليها مع أنه لم توجد بعد يدل على أنه يطلق على المعدوم، ومن منع ذلك قال: إن اطلاقه عليها لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود لا محالة.